من منا لا يتذكر الملاكم البطل محمد علي كلاي الذي كان يظهر على حلبة الملاكمة، ليقول أنا الأعظم، وبالفعل فإنه كان يغادر الحلبة وهو يحمل حزام البطولة والانتصار على الخصم.
عندما كان يظهر في أي مباراة من مبارياته يشد الأنظار إليه، فهو له رقصات معينة، وحركات معينة، وكان في البداية يبدو هادئاً يتلقى لكمات الخصم إلى أن يتيقن بأن خصمه قد تعب وأرهق، وهو لم يرهق من الضرب، بل من صبر محمد علي كلاي وتحمل تلك اللكمات منه، مما يجعل أن يتكون عند الخصم عامل نفسي بأنه غير قادر عليه، فيبدأ الايحاء الداخلي يوحي إليه باليأس، وعندئذ كان كلاي ينشط فيتحرك ويرقص رقصاته، فيثير الجمهور لمصلحته، وما يأخذ دقائق إلا ويردي خصمه منهزما منكسراً.
اذاً كان كلاي متميزاً بفكره التخطيطي، وبارعاً في أدائه، وشجاعاً في مواجهة الخصم، وهادئاً يتمالك أعصابه، وواثقاً بنفسه بأنه المستحق للفوز.
هذا الانسان الواثق من نفسه له قصة، فلابد أن نعرف عنه بأنه كان واثقاً بربه قبل أن يكون واثقاً بنفسه، فمحمد علي كلاي في الأصل هو كاسيوس كلاي، لكنه غير اسمه في 16/11/1960 الى محمد علي كلاي بعد أن فاجأ العالم باشهار اسلامه، وقد كان ذلك بعد تأثره بمحاضرة الزعيم الأمريكي الأسود الراحل مالكوم إكس.
فالبطل محمد علي كلاي الذي ولد عام 1942 في أمريكا من أبوين غير مسلمين، وهو يبلغ الآن من العمر 63 سنة، لم يكن يخطر بباله ولا ببال أسرته عندما ولد أنه سيصبح بطلاً للملاكمة، أو أنه سيصبح بطلاً مسلماً ويعتز بإسلامه وبأمته.
نعم شاء الله له الهداية فأسلم وكان لمستشاره مالكوم إكس فضل في البداية، لكنه في البداية والنهاية هو فضل الله الذي جعل هذا الشاب الأمريكي الأسود يدخل الاسلام عن قناعة، ويثابر على تدينه رغم أن حياته أصبحت في خطر.
فمن المعلوم أنه تحدى المجتمع الأمريكي ثلاث مرات، وفي كل مرة يبدو وكأنه أقوى. ففي المرة الأولى عام 1960 عندما أعلن اسلامه، وفي المرة الثانية عام 1966 عندما رفض دخوله الجيش الأمريكي والمشاركة في حرب فيتنام.
وفي المرة الثالثة عام 1975 عندما أنشأ مؤسسة اسلامية شاملة بولاية شيكاغو وكانت عبارة عن مسجد ضخم لمسلمي الولاية، ومدرسة اسلامية، وقاعة للمناسبات الاجتماعية، وقد بلغ عدد المساجد التي شيدتها هذه المؤسسة داخل الولايات المتحدة حتى الآن 207 مساجد.
أما دخوله في الاسلام فكان المبرر أنه حر في الدين الذي يريد أن يعتنقه، وقد جاء في دين الاسلام نفسه: لا إكراه في الدين.
وأما عن رفضه الدخول في الجيش وقتاله شعب فيتنام، فكان المبرر إنسانياً قبل أن يكون اسلاميا، لذا قال إن ضميره لا يسمح له بقتال أناس لا يعرفهم، ولم يتعرضوا له بالأذى، ولا يعرف أين فيتنام.
واما إنشاؤه للمؤسسة الاسلامية فإنه كان من حق المسلمين في أمريكا عليه أن يوجد مكان آمن لصلاتهم، ومدرسة لتعليم أبنائهم، وقاعة يجتمعون فيها في مناسباتهم الاجتماعية، وهذا من حق غير المقتدر على المقتدر في كل مكان.
لكن هذه المواقف الثلاثة كانت كافية أن تؤلب الحاقدين عليه وعلى الاسلام، فوقفوا ضده، وقادوه إلى المحاكم وحكموا عليه بالسجن، وسحب اللقب العالمي والجنسية الأمريكية منه، وكان هو في كل يوم يزداد يقينا بأن الله معه، لذلك فإنه لم يعدل عن قراره وظل صابراً محتسباً، حتى قضت المحكمة الاتحادية العليا ببراءته، فاستعاد عندئذ لقبه وتألقه.
نعم هذه هي قصة بطل رياضي يقول كان الله في قلبي دائماً قبل أن أسلم، وبعد أن أسلمت ازداد ايماني بالله، وانني أشكر والدتي التي ولدت في نفسي الثقة بالنفس، وأشكر مالكوم اكس الذي كان بمثابة منعطف في حياتي، وأشكر أليجا محمد الزعيم الزنجي الاسلامي، وأخيراً يشكر كلاي ربه على أن هداه للإسلام الذي حمل مبادىء الحرية والعدل والمساواة الى البشرية
المصدر
www.alkhaleej.ae